أصدرت غرفة تجارة وصناعة دبي، بالتعاون مع وحدة الإيكونوميست للمعلومات، دراسة تحليلية بعنوان "تطوير العلاقات بين دول الخليج ورابطة الدول المستقلة" والتي رصدت طبيعة العلاقات التجارية والمناخ الاقتصادي وفرص الاستثمار المتاحة بين منطقة دول الخليج العربي ورابطة الدول المستقلة، بالإضافة إلى استعراض أبرز الفرص الجاذبة للاستثمارات الخليجية والتي تتمحور في قطاعات الطاقة والخدمات اللوجستية والضيافة والعقارات.
وتم إصدار هذه الدراسة على هامش تنظيم الدورة الأولى للمنتدى العالمي للأعمال لرابطة الدول المستقلة الذي تنظمه حالياصًغرفة دبي خلال الفترة 17-18 فبراير بفندق أتلانتس دبي.
وأكد سعادة حمد بوعميم، مدير عام غرفة تجارة وصناعة دبي، على أن هذه الدراسة تأتي لتؤكد على الدور الرائد الذي تلعبه الغرفة في تطوير بيئة الأعمال في دبي كونها المصدر الرئيسي للمعلومات، وتعكس مسؤولية الغرفة تجاه القطاع الخاص ومجتمع الأعمال بتوفير البيانات والإحصاءات حول فرص الاستثمار في الأسواق الجديدة الواعدة لتكون خارطة طريق أمام صناع القرار لتساعدهم على التخطيط السليم لمشاريعهم وخططهم التوسعية.
وأضاف بوعميم: "إن مثل هذه الدراسات والتقارير التي تحرص غرفة دبي على إصدارها بصفة دورية، من شأنها التأسيس لقاعدة بيانات تمنح القيمة المضافة والميزة التنافسية لبيئة الأعمال في دولة الإمارات ومنطقة الخليج مما يعزز من تواجدها الاقتصادي في الأسواق الناشئة والاستفادة من الفرص الاستثمارية المجزية".
علاقات تجارية ودبلوماسية
وتوضح الدراسة التطور في العلاقات الثنائية بين دول الخليج ورابطة الدول المستقلة، والتي تضم كلاً من أذربيجان وأرمينيا وبيلاروسيا وجورجيا وكازاخستان وقيرغيزستان ومولدوفا وروسيا وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، في السنوات الأخيرة والتي شهدت ارتفاعاً في معدل الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى في كلا الاتجاهين، إلى جانب التطور في العلاقات التشريعية من خلال توقيع اتفاقيات خاصة بحماية الاستثمارات وتجنب الازدواج الضريبي الأمر الذي سيساهم في تعزيز مستوى النشاط الاستثماري في المستقبل.
يوجد الآن عدد كبير من هذه الاتفاقيات، والتي جرى المصادقة على كثير منها مؤخراً. ومن المتوقع أن تدعم هذه الاتفاقيات التبادلات التجارية في المستقبل. وكانت روسيا البيضاء الدولة الأكثر نشاطاً في تطوير علاقاتها التجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ولديها مجموعة كاملة من كلا النوعين من الاتفاقيات، تليها روسيا و أوزبكستان. أما من جانب دول مجلس التعاون الخليجي، فقد كانت الكويت والإمارات الأكثر نشاطاً.
ورغم عدم توقيع اتفاقيات تجارة ثنائية مع دول الخليج، إلا أن روسيا وست دول من رابطة الدول المستقلة هم أعضاء في منظمة التجارة العالمية، إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي. وتعد الاتفاقيات التي وقعتها دول الخليج مع رابطة الدول المستقلة أكثر من اتفاقياتها مع باقي المناطق التي تتمتع بحجم تبادل تجاري واستثماري أكبر من هذه الدول.
وأشارت الدراسة إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخليجية في روسيا في عام 2014 بلغت 37 مليون دولار أميركي فقط معظمها من دولة الإمارات العربية المتحدة. أما بالنسبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة الروسية في دول الخليج، فقد كانت أعلى، إذ وصلت إلى 165 مليون دولار أميركي في الإمارات وحدها عام 2014. وعلى الرغم من ذلك، فقد سجل حجم الاستثمارات الروسية انخفاضاً مقارنة بعام 2007، والذي شهد أكبر قدر من الاستثمارات بقيمة 902 مليون دولار أميركي.
ولا تشمل هذه البيانات على الأرجح الاستثمارات الخليجية في صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي (RDIF) المملوك للدولة، والذي تأسس عام 2011 لتوجيه رأس المال المحلي والأجنبي نحو الشركات النامية ومشاريع البنية التحتية. واستحوذت صناديق الثروة السيادية الخليجية على حصة الأسد من حيث الالتزام للصندوق الروسي؛ ووصلت إلى 19مليار دولار. وتشمل هذه المبالغ تعهدات قدمتها الهيئة العامة للاستثمار في الكويت، والهيئة العامة للاستثمار في السعودية، ودائرة التمويل في أبوظبي وشركة مبادلة للتنمية وجهاز قطر للاستثمار.
دور شركات الطيران في تعزيز العلاقات
وجاءت رحلات الطيران الاقتصادي كأحد أبرز العوامل التي ساهمت في تطوير العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين المنطقتين. حيث ساهمت شركات النقل الخليجية بانفتاح رابطة الدول المستقلة على دول الخليج. وإلى جانب رحلات المتابعة التي توفرها هذه الشركات من أهم المدن الخليجية، فإنها تربط الدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة بأجزاء أخرى من العالم، مثل آسيا و أفريقيا.
وتمثل شركات الطيران الاقتصادي الإماراتية حلقة الوصل الرئيسة بين المنطقتين؛ إذ تسير "العربية للطيران" رحلات جوية إلى أرمينيا وكازاخستان وروسيا. وتمتلك "فلاي دبي" 19 وجهة في مختلف أرجاء رابطة الدول المستقلة، منها 9 مدن روسية، مثل كازان وروستوف أون دون وايكاترينبورغ، و 10 وجهات في دول أخرى. وتعد "فلاي دبي" شركة الطيران الخليجية الوحيدة التي تسير رحلات إلى طاجيكستان. وبفضل هذه الشبكة، تربط "فلاي دبي"، إلى جانب رحلات المتابعة التي توفرها شركة "طيران الإمارات" إلى العديد من دول الرابطة مع بقية أرجاء العالم، وخاصة أفريقيا وجنوب آسيا.
وعلى الجانب الآخر، تنشط شركات الخدمات اللوجستية الخليجية في مجالات النقل البري، والذي يسهل بدوره التدفقات التجارية. وتمتلك شركة "موانئ دبي العالمية" أقوى حضور في كازاخستان، فقد تولت إدارة طريق شحن جديد، يجمع بين طريق الحرير التاريخي والطلب الحديث، ويربط بين الصين وأوروبا الشمالية.
التجارة مع رابطة الدول المستقلة
بلغ حجم التدفقات التجارية بين منطقة الخليج ورابطة الدول المستقلة 8 مليارات دولار أمريكي عام 2014. واقتصرت الغالبية العظمى لهذه التدفقات على التبادلات التجارية الثنائية بين عدد قليل من الدول؛ وبشكل رئيس المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى، وبين دولة الإمارات وتركمانستان (والتي يعود جزء كبير منها إلى مشاريع "دراغون أويل"). واستحوذت هذه التبادلات التجارية الثنائية بين تلك الدول على الحجم الأكبر من إجمالي التبادل التجاري بين المنطقتين.
ورغم الحجم المتواضع لهذه التبادلات التجارية، إلا أنه هنال تطورات مشجعة، حيث يعتبر حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وروسيا مميزاً، فقد حقق نمواً بنسبة 31 بالمائة على مدى خمس سنوات و 17 بالمائة على مدى عقد من الزمن. وكان نمو الصادرات الإماراتية إلى روسيا بنسبة 69 بالمائة والواردات الإماراتية من كازاخستان بنسبة 45 بالمائة من أبرز معدلات النمو التي شهدتها التبادلات التجارية بين المنطقتين.
وتشمل التبادلات التجارية قطاعات الأغذية والسلع المصنعة من رابطة الدول المستقلة والبتروكيماويات من دول مجلس التعاون الخليجي. وتمتلك التجارة في قطاع الأغذية أكبر فرصة للنمو، وخاصة مع تحسن الطرق التجارية، نظراً لاعتماد دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كامل تقريباً على الواردات ولأن روسيا وكازاخستان من أهم الدول المصدرة للقمح. وكانت المملكة العربية السعودية أحد أهم مشتري القمح الروسي ولفترة طويلة وهو ما جعلها أكبر مستورد في مارس 2015.
فرص استثمارية كبيرة
وتؤكد الدراسة على أن السنوات المقبلة ستشهد بروز فرص استثمارية كبيرة، وذلك بفضل توجهات الخصخصة في رابطة الدول المستقلة، خاصة في كازاخستان وروسيا، كما تتوقع الدراسة لجوء بعض الحكومات التي تعاني من انخفاض مستوى السيولة لديها، إلى جمع الأموال من خلال بيع بعض الأصول الحكومية للقطاع الخاص. وقد يزيد الانخفاض الأخير في أسعار عملات بعض دول رابطة الدول المستقلة من جاذبية هذه الأصول لدى المستثمرين. إلا أنه من المتوقع أن تنضج هذه الفرص الاستثمارية ببطء.
وتنشط الشركات الخليجية في المشاريع ذات الاتصال المباشر بالعملاء في رابطة الدول المستقلة، مستفيدةً من خبراتها في الأسواق الخليجية في قطاعات مثل الضيافة وامتيازات قطاع التجزئة. حيث تدير شركة الشايع الكويتية مجموعة واسعة من العلامات التجارية في رو سيا وأكثر من 300 متجر، بما في ذلك مقاهي ستاربكس، ومحلات مذركير لأللبسة ونيكست، والتي تنتشر في عدد من المدن الروسية. وفي الآونة الأخيرة، بدأت الشركة في التوسع إلى دول أخرى ضمن رابطة الدول المستقلة.
وفي قطاع الضيافة، تعمل مجموعة الجميرا، التي تتخذ من دبي مقراً لها، والتي تدير فندقاً في أذربيجان، على تطوير فندق جديد في مدينة سانت بطرسبرغ، والذي سيكون باكورة مشاريعها في روسيا. أما شركة روتانا المنافسة، فتشير العديد من التقارير إلى عزمها التوسع في آسيا الوسطى.
ومع تركيز شركات الفنادق الفارهة أنظارها على مدن مثل باكو و أستانا، إلا أنه توجد العديد من الفرص الاستثمارية المتاحة في سوق رابطة الدول المستقلة.
قطاع الطاقة
يعد قطاع الطاقة الركيزة الأساسية لاقتصادات رابطة الدول المستقلة ودول الخليج، ويمثل أحد أهم مجالات التعاون بين الطرفين. وتستثمر منطقة الخليج، وبالتحديد دولة الإمارات في مشروعي نفط كبيرين في بحر قزوين، فيما تعمل الشركات الروسية في مشاريع استخراج النفط والغاز في كل من المملكة العربية السعودية و إمارة الشارقة، كما تنشط الشركات التي تقدم خدمات حقول النفط في كلا المنطقتين. ويتوجب على دول الخليج ورابطة الدول المستقلة تعزيز التنسيق على المستوى الحكومي من أجل تطوير استراتيجيات خاصة لسوق النفط، وخاصة بعد تدهور أسعار النفط خلال الفترة الماضية.
ومن أبرز المشاريع المشتركة بين المنطقتين الاستحواذ الذي قامت به شركة بترول الإمارات الوطنية (إينوك) في عام 1998 على حصة الأغلبية في شركة "دراغون أويل"، لتتولى بذلك تطوير حقل شيليكون، الواقع في الجزء الشرقي من بحر قزوين في أراضي جمهورية تركمانستان. وشكل ذلك أول استثمار خليجي في قطاع الهيدروكربونات في رابطة الدول المستقلة.
ومن جانبها، تستثمر شركة مبادلة للبترول في حقل حوض نور سلطان (Block N) في بحر قزوين عل سواحل كازاخستان منذ عام 2009 ، وذلك بالشراكة مع شركة النفط الحكومية "كاز موناي غاز". كما دخلت الشركة في مباحثات مع شركة "روس نفت" الروسية عام 2015.
وشهدت مجالات أخرى في قطاع الطاقة تعاوناً مشتركاً في الآونة الأخيرة بين المنطقتين، وخاصة الجهود الرامية إلى تطوير مشاريع للطاقة النووية في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، والتي أدت بدورها إلى تعزيز التعاون الفني مع شركة "روس أتوم" الروسية للطاقة الذرية.
وأكملت شركة "بتروفاك الإمارات" مشروعاً بقيمة 3.4 مليار دولار أميركي في حقل غاز "غالكينش" في تركمانستان، وهو ثاني أكبر حقل غاز في العالم. وانطوى المشروع على بناء محطة معالجة للغاز، بطاقة إنتاجية تصل إلى 10 مليون متر مكعب سنوياً. ووصل عدد العاملين في المشروع في ذروته إلى 14,000 شخصاً.
السياحة وفرص العمل
وتشير الدراسة إلى وجود إنخفاض في عدد السياح القادمين من منطقة رابطة الدول المستقلة إلى منطقة الخليج، إلا أنه في الوقت نفسه تم تسجيل زيادة في معدلات الهجرة، حيث زادت وتيرة توجه مواطني رابطة الدول المستقلة إلى منطقة الخليج للعيش والعمل وذلك بسبب تأثرهم بانخفاض عدد الفرص الوظيفية المحتملة في بلدانهم. وانعكس ذلك على زيادة التحويلات المالية من الخليج إلى منطقة رابطة الدول المستقلة.
ويوجد الآن عدد كبير من مواطني رابطة الدول المستقلة المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة في دبي، سواء للدراسة أو العمل. وتشير تقديرات مجلس الأعمال الروسي في دبي إلى أن نحو 100,000 مواطن روسي يعيشون هناك.
التمويل الإسلامي ... نافذة تعاون مشترك
كما تطرقت الدراسة إلى التوسع الذي تشهده رابطة الدول المستقلة في قطاع التمويل الإسلامي وتتوقع أن تسهّل القوانين التي أقرت في الآونة الأخيرة العمليات المصرفية الإسلامية في رابطة الدول المستقلة. واقتصر دور البنوك الخليجية حتى هذا الوقت على القيام بدور استشاري فقط. ويعد التمويل الإسلامي أحد المجالات التي تشهد اهتماماً متزايداً في رابطة الدول المستقلة، نظراً لاحتضانها نحو 82 مليون مسلم، ويبلغ عدد المسلمين الذين يعيشون في روسيا 17 مليوناً يشكلون 12 بالمائة من مجموع سكانها.
وكانت كازاخستان أول دولة في رابطة الدول المستقلة تبادر إلى وضع تشريعات لتنظيم قطاع البنوك الإسلامية عام 2009 . وشكلت هذه الخطوة فرصة لإنشاء مصرف الهلال كازاخستان..
وتنظم غرفة دبي الدورة الأولى للمنتدى العالمي للأعمال لرابطة الدول المستقلة تحت عنوان "علاقات راسخة، آفاق مستقبلية" وبرعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لمناقشة مقومات الواقع المتغير للتعاون الاقتصادي في رابطة الدول المستقلة، وطرق التجارة القديمة والفرص المستقبلية والتحالفات الجديدة بالاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والتمويل الإسلامي، وطاقة المستقبل المستدامة، وتطوير ممر للنقل والخدمات اللوجستية بين الشمال والجنوب، وربحية استراتيجية التنوع الاقتصادي.
كما سيتيح المنتدى للمستثمرين عقد لقاءات أعمال ثنائية وتوقيع شراكات واتفاقات استثمارية بين الشركات في قطاعات مختلفة.