كشف تقرير جديد أصدرته شركة بوسطن كونسلتينج جروب بالتعاون مع مؤسسة دبي للمستقبل والقمة العالمية للحكومات عن تنامي اهتمام حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بجعل منظومة البحث والتطوير والابتكار عنصرًا محوريًا في استراتيجياتها الوطنية، مؤكدًا على ضرورة حدوث تحولات جذرية في السياسات وآليات العمل لمواكبة التغيرات المتسارعة في هذه المنظومة. ويُحدد التقرير الذي جاء تحت عنوان "عصر جديد لمنظومة البحث والتطوير والابتكار: خارطة طريق لإعادة رسم دور الحكومات في اتخاذ القرار" 6 تحولات نموذجية رئيسية تحتاجها الحكومات لمواصلة التنافسية وبناء منظومة بحث وتطوير وابتكار فعالة ومستدامة. وتشمل تلك التحولات تعزيز التعاون بين جميع القطاعات وتوجيه الابتكارات وتسريع اعتماد التقنيات المتقدمة. ويسلط التقرير الضوء كذلك على التداخل المتزايد بين التخصصات العلمية ضمن منظومة البحث والتطوير والابتكار والتقارب بين البحوث الأساسية والابتكار التطبيقي، إلى جانب التكامل بين الذكاء البشري والاصطناعي، إذ يؤدي هذا المشهد الجديد إلى ظهور حلول متعددة التخصصات قادرة على مواجهة تحديات العصر مثل تحقيق الأمن الغذائي عبر تقنيات الأغذية المُنتجة في المختبر أو ابتكار منتجات مستقبلية مثل الأقمشة الذكية التي توصل المغذيات إلى الجسم عند ارتدائها.
وفي هذا السياق، قالت مايا الهاشم، المدير المفوض والشريك ورئيس مكتب شركة بوسطن كونسلتينج جروب بدولة الإمارات العربية المتحدة إن "نتائج أبحاثنا تُظهر أن الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لا يقتصران على كونهما أدوات دعم عند إحداث تحول في مجال البحث والتطوير والابتكار فحسب بل يشكلان قوى قادرة على إعادة تعريف منهجية البحث والاكتشاف العلمي. وبفضل قدراتهما في تسريع إجراء التحليلات والنمذجة التنبؤية وتنفيذ التجارب الافتراضية، بات الذكاء الاصطناعي قادراً على مضاعفة الإنتاجية وتقليص الزمن اللازم لتطوير الأدوية مثلاً من عقود إلى بضع سنوات فقط. ومع تنامي دمج الذكاء الاصطناعي في منظومة البحث العلمي وظهور حلول كبرى من خلال تحليل البيانات الضخمة، تظهر الحاجة إلى تعاون فعّال بين الحكومات والمجتمع العلمي للتعامل مع جوانب مثل ضمان حماية الخصوصية وتعزيز العدالة وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه التقنيات في صياغة مستقبل الابتكار."
من جانبه، قال خليفة القامة مدير مختبرات دبي للمستقبل التابعة لمؤسسة دبي للمستقبل: "يشهد العالم حالياً مرحلة محورية في تطور منظومة البحث والتطوير والابتكار، وبشكل خاص هنا في المنطقة. ويجب على القطاع الحكومي رسم مسار واضح لتشكيل مُستقبل هذا القطاع عبر تنمية المواهب العلمية، وتوفير بيئة محفزة للابتكار، وتقديم التمويل طويل الأمد الذي يُمهّد الطريق أمام الاستثمارات من القطاع الخاص."
وأضاف: "لقد بدأنا في دبي بالفعل باتخاذ خطوات عملية في هذا المسار، حيث يهدف "برنامج دبي للبحث والتطوير والابتكار" إلى تسريع التحوّل نحو اقتصاد معرفي قائم على التكنولوجيا وتعزيز التنافسية العالمية. وكجزء من هذا البرنامج، تم إطلاق لدعم وتمويل البحث والتطوير والابتكار والتي دعمت عشرات المشاريع في مجالات حيوية متنوعة مثل قطاع الصحة والمدن المعرفية والذكاء الاصطناعي والروبوتات. وكذلك أطلقنا عدداً من المشاريع ضمن مبادرة "ساندبوكس دبي" لتطوير البيئة التشريعية والابتكارية في دبي."
بدورها، قالت آنا فلين، مديرة المشاريع في شركة بوسطن كونسلتينج جروب، إن "الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في مجال البحث والتطوير والابتكار، ويفتح الباب أمام عصر هجين من المواهب المُختلطة (أي التي تدمج بين الذكاء البشري والحوسبة المُتقدمة)، بحيث يكون قادرًا على إعادة تعريف الاكتشافات العلمية. ومع حصول أحد الأبحاث المعتمِدة على الذكاء الاصطناعي على جائزة نوبل في العام الماضي، لم يعد من المستبعد أن نرى الذكاء الاصطناعي ذاته يُكرَّم مستقبلاً. لذا، على الحكومات أن تستعد لهذا التحوّل من خلال تمكين الجيل القادم من العلماء بالأدوات والمعرفة اللازمة لاستخدام هذه التكنولوجيا بأفضل الطرق. ويجب أن تدمج الأنظمة التعليمية مفاهيم الذكاء الاصطناعي وتَعلُّم الآلة كمقررات مستقلة وأدوات تعاونية تحفز وتُسرِّع مسيرة الاكتشافات والابتكارات العلمية في المستقبل."
الكشف عن التحولات المحورية
وأشار التقرير إلى أن هناك 6 تحولات نموذجية رئيسية تُحدِث التأثير الأكبر في منظومة البحث والتطوير والابتكار، وأنه يتوجب على الحكومات أن تضطلع بدور محوري في تشكيل ملامح كل منها وتوجيه المسار نحو مستقبل أكثر مرونة وابتكاراً.
التوسّع الحاد وتقييد الوصول إلى منظومة البحث والتطوير والابتكار:
في ظل تطور مجال البحث والتطوير والابتكار، يتجلى اتجاهان متناقضان في آنٍ واحد. فمن جهة، تُساهم التطورات التكنولوجية، مثل ارتفاع قدرات الحوسبة، في إضفاء طابع ديمقراطي على عملية البحث، مما يُمكِّن الأفراد والمؤسسات ذات الموارد المحدودة من تقديم مساهمات مؤثرة وإيجاد بيئة خصبة للابتكار دون الحاجة إلى مختبرات عالية التكلفة. ومن جهة أخرى، فإن التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي تتطلب موارد هائلة من البيانات والحوسبة، وهي غالباً لا تتاح إلا لعدد محدود من عمالقة التكنولوجيا، مما يعزز ما يُعرَف بـ"الاحتكار الثنائي" في مجال الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية. وبناءً عليه، ينبغي للحكومات اتخاذ خطوات عملية لبناء بدائل موثوقة وآمنة ومستدامة تبدأ بسد الفجوات التمويلية بين الأوساط الأكاديمية والقطاع الصناعي. وفي الوقت ذاته، يتعيّن عليها إنشاء مستودعات للبيانات مفتوحة المصدر لتعزيز المساواة والعدالة المعرفية وتبادلها بين القطاعين العام والخاص، بما يؤدي إلى إيجاد منظومة بحث وتطوير وابتكار شاملة تقوم على التعاون والمشاركة واسعة النطاق على مستوى جميع الأطراف.