٠٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ - ٢٨ أغسطس ٢٠٢٥م
الاشتراك في النشرة البريدية
عين دبي
المال والأعمال | الخميس 28 أغسطس, 2025 11:14 صباحاً |
مشاركة:

6 تحولات رئيسية تُعيد تشكيل منظومة البحث والتطوير والابتكار عالمياً

كشف تقرير جديد أصدرته شركة بوسطن كونسلتينج جروب بالتعاون مع مؤسسة دبي للمستقبل والقمة العالمية للحكومات عن تنامي اهتمام حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بجعل منظومة البحث والتطوير والابتكار عنصرًا محوريًا في استراتيجياتها الوطنية، مؤكدًا على ضرورة حدوث تحولات جذرية في السياسات وآليات العمل لمواكبة التغيرات المتسارعة في هذه المنظومة. ويُحدد التقرير الذي جاء تحت عنوان "عصر جديد لمنظومة البحث والتطوير والابتكار: خارطة طريق لإعادة رسم دور الحكومات في اتخاذ القرار" 6 تحولات نموذجية رئيسية تحتاجها الحكومات لمواصلة التنافسية وبناء منظومة بحث وتطوير وابتكار فعالة ومستدامة. وتشمل تلك التحولات تعزيز التعاون بين جميع القطاعات وتوجيه الابتكارات وتسريع اعتماد التقنيات المتقدمة. ويسلط التقرير الضوء كذلك على التداخل المتزايد بين التخصصات العلمية ضمن منظومة البحث والتطوير والابتكار والتقارب بين البحوث الأساسية والابتكار التطبيقي، إلى جانب التكامل بين الذكاء البشري والاصطناعي، إذ يؤدي هذا المشهد الجديد إلى ظهور حلول متعددة التخصصات قادرة على مواجهة تحديات العصر مثل تحقيق الأمن الغذائي عبر تقنيات الأغذية المُنتجة في المختبر أو ابتكار منتجات مستقبلية مثل الأقمشة الذكية التي توصل المغذيات إلى الجسم عند ارتدائها.

 

وفي هذا السياق، قالت مايا الهاشم، المدير المفوض والشريك ورئيس مكتب شركة بوسطن كونسلتينج جروب بدولة الإمارات العربية المتحدة إن "نتائج أبحاثنا تُظهر أن الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لا يقتصران على كونهما أدوات دعم عند إحداث تحول في مجال البحث والتطوير والابتكار فحسب بل يشكلان قوى قادرة على إعادة تعريف منهجية البحث والاكتشاف العلمي. وبفضل قدراتهما في تسريع إجراء التحليلات والنمذجة التنبؤية وتنفيذ التجارب الافتراضية، بات الذكاء الاصطناعي قادراً على مضاعفة الإنتاجية وتقليص الزمن اللازم لتطوير الأدوية مثلاً من عقود إلى بضع سنوات فقط. ومع تنامي دمج الذكاء الاصطناعي في منظومة البحث العلمي وظهور حلول كبرى من خلال تحليل البيانات الضخمة، تظهر الحاجة إلى تعاون فعّال بين الحكومات والمجتمع العلمي للتعامل مع جوانب مثل ضمان حماية الخصوصية وتعزيز العدالة وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه التقنيات في صياغة مستقبل الابتكار."

 

من جانبه، قال خليفة القامة مدير مختبرات دبي للمستقبل التابعة لمؤسسة دبي للمستقبل: "يشهد العالم حالياً مرحلة محورية في تطور منظومة البحث والتطوير والابتكار، وبشكل خاص هنا في المنطقة. ويجب على القطاع الحكومي رسم مسار واضح لتشكيل مُستقبل هذا القطاع عبر تنمية المواهب العلمية، وتوفير بيئة محفزة للابتكار، وتقديم التمويل طويل الأمد الذي يُمهّد الطريق أمام الاستثمارات من القطاع الخاص." 

 

وأضاف: "لقد بدأنا في دبي بالفعل باتخاذ خطوات عملية في هذا المسار، حيث يهدف "برنامج دبي للبحث والتطوير والابتكار" إلى تسريع التحوّل نحو اقتصاد معرفي قائم على التكنولوجيا وتعزيز التنافسية العالمية. وكجزء من هذا البرنامج، تم إطلاق لدعم وتمويل البحث والتطوير والابتكار والتي دعمت عشرات المشاريع في مجالات حيوية متنوعة مثل قطاع الصحة والمدن المعرفية والذكاء الاصطناعي والروبوتات. وكذلك أطلقنا عدداً من المشاريع ضمن مبادرة "ساندبوكس دبي" لتطوير البيئة التشريعية والابتكارية في دبي."

 

بدورها، قالت آنا فلين، مديرة المشاريع في شركة بوسطن كونسلتينج جروب، إن "الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في مجال البحث والتطوير والابتكار، ويفتح الباب أمام عصر هجين من المواهب المُختلطة (أي التي تدمج بين الذكاء البشري والحوسبة المُتقدمة)، بحيث يكون قادرًا على إعادة تعريف الاكتشافات العلمية. ومع حصول أحد الأبحاث المعتمِدة على الذكاء الاصطناعي على جائزة نوبل في العام الماضي، لم يعد من المستبعد أن نرى الذكاء الاصطناعي ذاته يُكرَّم مستقبلاً. لذا، على الحكومات أن تستعد لهذا التحوّل من خلال تمكين الجيل القادم من العلماء بالأدوات والمعرفة اللازمة لاستخدام هذه التكنولوجيا بأفضل الطرق. ويجب أن تدمج الأنظمة التعليمية مفاهيم الذكاء الاصطناعي وتَعلُّم الآلة كمقررات مستقلة وأدوات تعاونية تحفز وتُسرِّع مسيرة الاكتشافات والابتكارات العلمية في المستقبل."

 

الكشف عن التحولات المحورية

 

وأشار التقرير إلى أن هناك 6 تحولات نموذجية رئيسية تُحدِث التأثير الأكبر في منظومة البحث والتطوير والابتكار، وأنه يتوجب على الحكومات أن تضطلع بدور محوري في تشكيل ملامح كل منها وتوجيه المسار نحو مستقبل أكثر مرونة وابتكاراً.

 

  1. الحدود المُتداخلة بين التخصصات والباحثين وأهداف البحث العلمي: يرصد التحول الأول إزالة الحدود التقليدية بين التخصصات العلمية والتقنية المتنوعة، حيث باتت منظومة البحث والتطوير والابتكار اليوم متعددة التخصصات بصورة متزايدة إذ تجمع مجالات مختلفة لمواجهة التحديات المُعقدة. ويُجسّد هذا التوجّه ابتكارات حديثة مثل الأقمشة الذكية التي تنقل المغذيات إلى الجسم عند ارتدائها والأغذية المُنتَجة في المختبرات. وتُعَد هذه التحولات ثمرة التعاون بين مجالات متنوعة مثل علم الأحياء والكيمياء والعلوم المُتقدمة وغيرها. ويسلط هذا الأمر الضوء على التوجه نحو نهج أكثر ترابطاً في العلوم والتعامل مع التحديات وحل المشكلات. وهو ما يُحتم على الحكومات أن تُسهِّل إنشاء منظومة البحث والتطوير والابتكار وتدعم التعاون بين التخصصات المختلفة وتبادل المعرفة، من خلال تحديد الأولويات الوطنية التي تُبرز أهمية كسر الحواجز التقليدية وتقديم الحوافز والمنح والتمويل الموجّه للأبحاث الأكاديمية والتطوير والابتكار متعددة التخصصات.
  2. الآفاق غير المُكتشفة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في البحث العلمي، والحاجة إلى "مساحات للابتكار": يُحدث الذكاء الاصطناعي، بالتكامل مع البيانات الضخمة، نقلة نوعية في منظومة البحث والتطوير والابتكار، عبر تعزيز الإنتاجية بشكل كبير وتسريع الاكتشافات العلمية وإحداث تحوّلات جذرية في مجالات مثل الطب وتطوير الأدوية. لقد أصبح بإمكان العلماء اليوم اختبار النظريات العلمية افتراضياً، وتحليل كميات ضخمة من البيانات، ورصد الأنماط بدقة غير مسبوقة، مما يُقلّص الوقت والتكاليف بشكل كبير. لكن في المقابل، تطرح هذه التطورات تساؤلات أخلاقية وتنظيمية مثل "من يملك نتائج الاكتشافات التي تنتجها تقنيات الذكاء الاصطناعي؟" و"كيف نحمي خصوصية البيانات القادمة من مصادر متعدّدة؟" و"ما مدى أمان المعلومات الشخصية؟". وهنا يظهر دور الحكومات في تسريع هذا التحوّل للاستفادة من الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في البحث والتطوير والابتكار، مع وضع أطر تنظيمية وأخلاقية واضحة تضمن الاستخدام السليم لها. وقد بدأت فعلياً جهود مشتركة بين الحكومات والممارسين والجهات التنظيمية لتطوير هذه الأطر التي تُنظم تلك التقنيات الثورية، لكن هناك حاجة ماسة إلى منظومة آمنة ومرنة لاختبار السياسات قبل اعتمادها. ولهذا السبب، تتزايد أهمية "بيئات الاختبار التنظيمية" التي تُتيح تقييم المنتجات والعمليات والنماذج الجديدة ضمن بيئة خاضعة للإشراف قبل طرحها في السوق. ومن خلال إنشاء هذه المساحات المُخصصة للابتكار، يمكن للحكومات تسريع التقدم العلمي، مع الحفاظ على التزاماتها التنظيمية في دعم النزاهة وتعزيز المعايير الأخلاقية.
  3. ثورة الذكاء المُختلط (الذكاء البشري + الذكاء الاصطناعي): أدت التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي إلى تدشين عهد جديد في المجتمع العلمي، لتقدم شريكاً بحثياً افتراضياً يُعزز الإبداع البشري بفضل القوة الحسابية الهائلة للذكاء الاصطناعي. ويغير هذا التعاون مناهج البحث العلمي جذريًا، حيث يُمَكِّن العلماء من معالجة أسئلة معقدة كانت في السابق خارج نطاق الإمكان عبر تجاوز القيود النظرية والحسابية. ومع تكريم أحد الأبحاث المعتمِدة على الذكاء الاصطناعي بجائزة نوبل في العام الماضي، لم يعد مُستبعداً تخيّل مستقبل يُكرَّم فيه الذكاء الاصطناعي ذاته. لذا، يجب على الحكومات أن تُدرك أن "الموهبة المختلطة" الناتجة عن المزج بين الذكاء البشري والاصطناعي ستوازي على الأرجح في أهميتها الموهبة البشرية البحتة، مما يتطلّب الاستثمار في تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي من خلال التعليم. إن الإلمام بتقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة بات جزءاً أساسيا مهماً من أدوات الباحثين والعلماء، ويقع على عاتق الحكومات مسؤولية تجهيز الأجيال القادمة بالقدرات اللازمة لاستيعاب هذه التقنيات ودمجها كشركاء فاعلين في إحداث الطفرات والإنجازات العلمية المستقبلية.
  4. تنامي التوقعات بشأن تسريع انتقال المنتجات من المختبرات إلى الأسواق: تزداد الضغوط اليوم لتسريع تحويل الأبحاث من المختبرات إلى تطبيقات عملية في السوق، وسط توازن دقيق بين الحاجة التجارية المُلحّة والسريعة والحاجة إلى دعم البحث الأساسي كركيزة للتقدم العلمي طويل الأمد. ورغم أن الأبحاث الأساسية تشكل حجر الأساس للابتكارات الكبرى، فإن تحديات عالمية مثل جائحة كوفيد-19 قدمت نموذجًا لتسريع ترجمة البحث العلمي لمنتجات، كما تجلّى في تطوير اللقاحات خلال أشهر مقارنةً بالمسار الزمني التقليدي لتطوير البنسلين الذي استغرق عقوداً. لكنَّ النجاح السريع للقاحات كوفيد-19 لم يكن ليتحقق لولا تراكم سنوات طويلة من الأبحاث الأساسية، وعلى رأسها تطورات تقنية "mRNA" منذ التسعينيات. واليوم، يواجه المعنيون بالابتكار تحديًا في الموازنة بين البحث التطبيقي الهادف لحلول فورية والاستثمار المستمر في البحث الأساسي لضمان التقدم العلمي والاستعداد لمواجهة أزمات مستقبلية. وهنا يأتي دور الحكومات في توفير رأس المال والدعم طويل الأجل لهذا النوع من الأبحاث التي تشكل لاحقًا أساسًا للتطبيق العملي وجذب القطاع الخاص. ومع نضوج الأبحاث، يمكن للحكومات تسهيل دخول الاستثمارات الخاصة، بما يُمكِّن الشركات من الاستفادة من منظومة البحث والتطوير والابتكار لزيادة الإنتاجية وخفض التكاليف وتعزيز القدرة التنافسية وتشجيع الابتكار.
  5. التأثير الذي يتجاوز "عنصر التأثير": لطالما ارتبط تقييم جودة الأبحاث بـ"عنصر التأثير"، وهو مقياس يعتمد على عدد الاقتباسات والنشر الأكاديمي. ورغم أن هذه المقاييس مفيدة، إلا أنها لا تعكس التأثير الاجتماعي والاقتصادي الأوسع، أو القيمة الحقيقية للمعرفة، أو مدى قابلية تكرار نتائج البحث. ومع ازدياد تعقيد منظومة البحث والتطوير والابتكار، تتجه المجتمعات العلمية نحو استخدام مقاييس نوعية وغير أكاديمية لتقييم الأبحاث بصورة شاملة، مما يعكس تحولاً في مفهوم النجاح ليشمل المساهمات المجتمعية والأثر الحقيقي الذي يتجاوز الاكتفاء بالاعتراف الأكاديمي. ولتواكب الحكومات هذا التغير، يجب أن تدعم المقاييس الكمية التقليدية بأساليب تقييم نوعية مثل مراجعات النظراء واللجان المتخصصة التي تستند إلى أحكام الخبراء في هذا المجال. والأهم من ذلك، ينبغي أن تعيد الحكومات تعريف مفهوم نجاح البحث باعتباره سلسلة من المساهمات التدريجية التي تُحرّك عجلة الابتكار وليس مجرد نتائج نهائية وقبول الفشل كجزء أساسي من عملية الابتكار؛ وينبغي كذلك إدراك أن البحث القَيِّم غالبًا ما يَبني معرفةً على المدى الطويل بدلًا من إحداث تأثير فوري.

التوسّع الحاد وتقييد الوصول إلى منظومة البحث والتطوير والابتكار:

 

 في ظل تطور مجال البحث والتطوير والابتكار، يتجلى اتجاهان متناقضان في آنٍ واحد. فمن جهة، تُساهم التطورات التكنولوجية، مثل ارتفاع قدرات الحوسبة، في إضفاء طابع ديمقراطي على عملية البحث، مما يُمكِّن الأفراد والمؤسسات ذات الموارد المحدودة من تقديم مساهمات مؤثرة وإيجاد بيئة خصبة للابتكار دون الحاجة إلى مختبرات عالية التكلفة. ومن جهة أخرى، فإن التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي تتطلب موارد هائلة من البيانات والحوسبة، وهي غالباً لا تتاح إلا لعدد محدود من عمالقة التكنولوجيا، مما يعزز ما يُعرَف بـ"الاحتكار الثنائي" في مجال الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية. وبناءً عليه، ينبغي للحكومات اتخاذ خطوات عملية لبناء بدائل موثوقة وآمنة ومستدامة تبدأ بسد الفجوات التمويلية بين الأوساط الأكاديمية والقطاع الصناعي. وفي الوقت ذاته، يتعيّن عليها إنشاء مستودعات للبيانات مفتوحة المصدر لتعزيز المساواة والعدالة المعرفية وتبادلها بين القطاعين العام والخاص، بما يؤدي إلى إيجاد منظومة بحث وتطوير وابتكار شاملة تقوم على التعاون والمشاركة واسعة النطاق على مستوى جميع الأطراف.

 

مشاركة:
طباعة
اكتب تعليقك
إضافة إلى عين دبي
أخبار متعلقة
الأخبار المفضلة