١٠ رجب ١٤٤٧هـ - ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٥م
الاشتراك في النشرة البريدية
عين دبي
السياحة والضيافة | الاثنين 29 ديسمبر, 2025 10:07 صباحاً |
مشاركة:

من يوميات مستكشف: كيف باتت ليل العاصمة السعودية حية؟

لم أكن أتصور أن زيارتي الأولى للمملكة ستتحول إلى مغامرة ليلية لا تُنسى. لقد تبددت الصورة النمطية للعاصمة السعودية الرياض فور حلول الظلام، لتكشف عن وجه آخر ينبض بالحياة، والموسيقى، والمغامرات المفاجئة. من صخب أغنيات الهيب هوب العربية في السيارة، إلى استكشاف التحف القديمة تحت ضوء القمر، كانت كل ليلة دعوة لتأجيل موعد النوم. في هذه الرحلة الاستكشافية، أُتيحت لي الفرصة لأتعرف عن قرب على النبض الحقيقي لليل المدينة برفقة زملاء تحولوا إلى أصدقاء، وتجربة كل ما تقدمه الرياض بعد الغروب. لقد غيرت هذه التجربة نظرتي بالكامل ووجدت العديد من اماكن السهر في الرياض بعدما أدركت أن الحياة الليلية هنا تختلف جذريًا عما توقعت. اكتشف السعودية معي بعيون جديدة كما لم تكشفها من قبل في هذا المقال.

 

الرياض بعد الغروب: مدينة تفتح أبوابها للجميع

الرياض، تحت وهج أضواء ناطحات السحاب النيونية، تتحول إلى مدينة لا تنام. اللافت في الأمر هو أن المرافق النهارية تقريباً تفتح أبوابها أمام الزوار حتى ساعات متأخرة، ما يمنح العائلات والزوار حرية الحركة والاستمتاع بالمدينة في أوقات أكثر برودة وراحة.

صخب ثقافي وفني في الليالي:

لم تقتصر الأنشطة الليلية على التنزه فحسب، بل امتدت لتشمل الانغماس في المشهد الثقافي المزدهر:

  • الموسيقى الحية والتفاعل الاجتماعي: كانت قاعة الموسيقى الحية "ذا ويرهاوس" نقطة جذب مذهلة. مشاهدة فرقة موسيقية عربية مميزة وهي تعزف، والتفاعل مع الجمهور المتحمس الذي يصفق ويتحدث بود بين الأغنيات، منحني شعوراً حقيقياً بالانتماء إلى هذا الصخب الفني.
  • استكشاف الفن الحديث والتراث: قبل الغسق مباشرة، كان التجول في سوق الزل التاريخي، وتصفح التحف الغارقة في الغبار، تجربة ساحرة. ثم التحول إلى معهد مسك للفنون المعاصرة لاستكشاف أعمال فنانين عالميين مثل ديفيد هوكني والسعودي زياد كعكي، يمثل التناغم المثالي بين الماضي والمستقبل.

دفء الأجواء العائلية والشعور بالأمان:

من أكثر ما أثار دهشتي هو الأجواء العائلية السائدة حتى منتصف الليل. رؤية الأطفال يمرحون في الحدائق، ويأكلون الوجبات الخفيفة، ويلهون في المراكز التجارية المفتوحة، يضفي على الليل دفئاً غير مألوف في العواصم الكبرى الأخرى.

والأهم هو الشعور المطلق بالأمان. لقد كان التحرش بالنساء في الشوارع ممنوعاً ومجّرماً، مع عقوبات صارمة على مرتكبيه. هذا المناخ الآمن هو ما يفسر الشعور بالحرية والراحة الذي لاحظته لدى مجموعات من الفتيات وهن يستمتعن بوجباتهن في عربات الطعام في مناطق هادئة ومنعزلة. هذا الإحساس بالأمان ليلاً هو ميزة نادرة وعظيمة في المدن الكبرى.

المذاق الليلي: رحلة طعام فاخرة وكاجوال

لا تكتمل المغامرة الليلية بدون محطات التزود بالطاقة. وتتنوع الخيارات في الرياض لتناسب جميع الأذواق والميزانيات، من أكشاك الشارع البسيطة إلى المطاعم الفاخرة:

  • الفخامة العالمية والمحلية: كانت تجربة عشاء رائعة في مطعم "شوتو ماتي" الياباني البيروفي الشهير، حيث تذوقنا أطباق السوشي اللذيذة والموكتيلات المنعشة على شرفة المطعم. ولم تقل روعةً عنها تجربة تناول حنيذ لحم الضأن المطهو ببطء في مطعم "سهيل" السعودي الراقي، مما أظهر التنوع الهائل في المطبخ المحلي والعالمي.
  • وجبات الشارع السريعة في ساعات متأخرة: كانت عربة "The60pasta" الإيطالية اكتشافاً متأخراً في إحدى الليالي، حيث استمتعنا بالباستا المقدمة في أكواب الخبز ونحن مسترخون على الوسائد في حديقة مضاءة.
  • ملك الشاورما ليلاً: في الثالثة فجراً، كان مطعم "ماما نورة" مكتظاً بالزبائن. إن شاورما الدجاج الدافئة مع البطاطا المقلية والمخللات كانت وجبة لا تضاهى، برفقة كوب من عصير الرمان الطازج.

شغف القهوة والكافيين: روتين الليالي الطويلة

إن سر القدرة على الاستمتاع بليالي الرياض المليئة بالنشاط هو في استبدال النوم بفنجان قهوة كبير. وهذا ما قادني إلى زيارة "وثبة"، المكان الذي تحول إلى وجهتي المفضلة للكافيين.

  • "وثبة": مزج القهوة بالثقافة: يقع وثبة في حي النرجس، وهو يجمع بين مفهوم المقهى والمكتبة بطريقة ساحرة. من خزائن الكتب الممتدة من الأرض إلى السقف إلى قواعد الأكواب المستوحاة من الروايات، يجسد المكان شغف مؤسسته، منيرة آل تويم، بالقراءة والفن. وقد استلهمت منيرة تصميم المقهى وإكسسواراته الأنيقة من ثقافات بلدان بعيدة مثل فرنسا واسكتلندا ومصر، محققةً حلمها في تأسيس ملاذ دافئ لعشاق الأدب.

خاتمة المغامرة: جمال الصحراء الخالد

في نهاية الرحلة، كان لا بد من مغادرة صخب المدينة والانطلاق إلى هدوء الصحراء. كانت رحلة إلى منطقة الرمال الحمراء، التي تقع على بعد 45 دقيقة من الرياض، نهاية مثالية للمغامرة.

تحولت المنطقة إلى مساحة لممارسة الرياضات والألعاب المثيرة، لكن قمة المغامرة كانت ركوب سيارة الدفع الرباعي. كانت رحلة لا تُنسى حيث تتسلق السيارة كثباناً شديدة الانحدار، وتنزلق، فيما يمتزج صراخنا مع تناثر الرمال. وعندما توقفت السيارة أخيراً وسط الكثبان الذهبية الممتدة نحو الأفق، أحسست بالتعب والذهول. كان خلع الحذاء وغرس القدمين في الرمال الدافئة الرائعة لحظة هدوء مثالية. لقد شكلت هذه التجربة المتكاملة، بين صخب الليل وأصالة الصحراء، نهاية لا تُمحى من الذاكرة لرحلة إلى الرياض أثبتت أن العاصمة السعودية تخبئ عجائب لا حصر لها، وأن ليلها أكثر من مجرد انتظار لشروق الشمس.

مشاركة:
طباعة
اكتب تعليقك
إضافة إلى عين دبي
أخبار متعلقة
الأخبار المفضلة