تُعد المياه من أثمن الموارد الطبيعية في المملكة العربية السعودية وأكثرها محدودية. فمع ندرة مصادر المياه العذبة وارتفاع الطلب نتيجة التوسع العمراني والصناعي والزراعي، تضع المملكة الابتكار في صميم جهودها لضمان أمنها المائي. وفي إطار رؤية السعودية 2030، أصبحت الاستدامة وتطوير البنية التحتية من أولويات الدولة، ويمثل قطاع المياه أحد المحاور الرئيسة لهذه الجهود.
في منطقة الرياض وحدها، يجري تنفيذ مشروعات للمياه والصرف الصحي بقيمة تتجاوز533 مليون دولار، بهدف توسيع نطاق الخدمات ورفع الكفاءة التشغيلية. ووفقًا للشركة الوطنية للمياه، تشمل هذه المشروعات نحو 30 مشروعًا تغطي ما يقارب 2000 كيلومتر في الرياض ومحافظاتها، لتعزيز الشبكات، ومواجهة التحديات البيئية، وتحقيق استدامة أفضل بما يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030.
ومن محطات التحلية والضخ إلى معالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها، تعمل المملكة على التحول من الأنظمة التقليدية إلى شبكات ذكية مترابطة، أكثر اعتمادية وكفاءة، وقادرة على تحقيق استدامة طويلة المدى. وفي ظل التحديات المستمرة لندرة المياه، تمثل هذه الاستثمارات خطوة أساسية نحو حماية الموارد للأجيال القادمة.
لماذا أصبح التحول الرقمي ضرورة ملحة؟
حالياً، تسعى المملكة إلى رفع معدل إعادة استخدام مياه الصرف من 21% حاليًا إلى 70% بحلول عام 2030، وهو هدف يتطلب بنية تحتية حديثة تعتمد على الأتمتة والذكاء الاصطناعي والعمليات المتكاملة – بدءًا من محطات التحلية وصولًا إلى مرافق إعادة التدوير.
وتقول إيسن جول، نائب الرئيس للقطاع الصناعي في شنايدر إلكتريك في المملكة العربية السعودية، وباكستان، واليمن، والبحرين: "قطاع المياه في المملكة يشهد تحولًا سريعًا وغير مسبوق. ولتحقيق أهداف الاستدامة، نحن بحاجة إلى أنظمة أكثر ذكاءً قادرة على التكيف والتحسين والتشغيل الفوري. الأمر يتجاوز التحديثات الجزئية، فهو يتعلق بتحول رقمي شامل."
تتمحور أبرز أولويات المرحلة في المملكة حول ثلاث اتجاهات رئيسية، وهي رفع كفاءة استهلاك الطاقة نظرًا لاعتماد عمليات التحلية والضخ على نسب مرتفعة من الطاقة، تعزيز الشفافية وسرعة اتخاذ القرار من خلال تحليل البيانات الفورية وضمان الجودة عبر مختلف الأصول، وأخيرًا إعادة الاستخدام المستدام عبر المعالجة المتقدمة وتحويل مياه الصرف إلى مورد اقتصادي ذي قيمة.
التكنولوجيا كركيزة أساسية لشبكات مياه ذكية ومرنة
على مدار أكثر من 40 عاماً كشريك استراتيجي، لعبت شنايدر إلكتريك دورًا محوريًا في دعم المملكة بحلول رقمية متقدمة مكّنتها من إدارة التحديات على نطاق واسع مع تعزيز أهداف الاستدامة. فمن خلال منصة EcoStruxure™ للمياه والصرف الصحي (EcoStruxure™ for Water & Wastewater)، تتيح الشركة ربط أنظمة التحكم بالأجهزة الميدانية بالاعتماد على تقنيات إنترنت الأشياء، بما يعزز الكفاءة التشغيلية ويضمن استمرارية الخدمات. كما تقدم برمجيات AVEVA التي تدعم مفهوم التوأم الرقمي، وتوفر تحليلات تنبؤية ولوحات متابعة متطورة تساعد على تحسين عمليات التشغيل واتخاذ القرارات الاستباقية. وتسهم حلول الضخ الذكي وكفاءة الطاقة في خفض التكاليف والانبعاثات الكربونية، بينما تمكّن أنظمة SCADA للمراقبة والتحكم الآمن عن بُعد من إدارة الأصول الموزعة بكفاءة، سواء في محطات التحلية الساحلية أو مرافق المعالجة الداخلية، مما يتيح مرونة أكبر واستجابة أسرع للتحديات.
وتضيف إيسن: "يُعد قطاع المياه من أكثر القطاعات استهلاكًا للطاقة، كما أنه يواجه بشكل متزايد تحديات مرتبطة بتغير المناخ، حيث ساهم بما يقارب 17% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المملكة خلال عام 2022 وفقًا للدراسات. إن بناء أنظمة حديثة للمياه والصرف يتطلب معالجة شاملة لقضايا متعددة مثل التسرب، وجودة المياه، وكفاءة الطاقة، ورضاء المستفيدين. ومن خلال حلولنا الرقمية المتكاملة في مجالات البرمجيات والأتمتة وإدارة الطاقة، ندعم المشغلين في المملكة لبناء أنظمة أكثر مرونة واستدامة. وبهذا نُسهم بشكل مباشر في مبادرة السعودية الخضراء ورؤية 2030، بما يعزز جهود المملكة في مواجهة تغير المناخ، حماية البيئة، والارتقاء بجودة الحياة للأجيال القادمة."
مستقبل مبني على الحلول الذكية للمياه
مع مضي المملكة قدمًا في تنفيذ مشاريعها العملاقة والمدن الذكية وطموحاتها في مجال الاستدامة، ستظل المياه في صميم مسيرة التقدم. فلم تعد الأنظمة المائية الذكية والرقمية والخالية من الانبعاثات الكربونية خيارًا إضافيًا، بل أصبحت الأساس لبناء مجتمعات مرنة، وصناعات مزدهرة، ونمو مستدام.
وبفضل الحلول المتكاملة التي تقدمها شنايدر إلكتريك، تحوّل المملكة العربية السعودية واحدة من أصعب تحدياتها إلى فرصة قوية. فكل ابتكار، وكل تطوير، وكل قطرة ماء تسهم في بناء مستقبل تُدار فيه الموارد بحكمة، وتُدمج فيه الاستدامة في كل خطوة، لتزدهر فيه الأجيال القادمة.